قراءة في كتاب “ الفلسفة الخضراء ”
” الفلسفة الخضراء أطروحة فكرية تبدأ من البيت ..”
من تأليف ” روجر سكروتون “
” الفلسفة الخضراء أطروحة فكرية تبدأ من البيت ..”
من تأليف ” روجر سكروتون “
مؤلف هذا الكتاب فيلسوف إنجليزي
معاصر، أمضى كما يقول مؤرخو سيرته الشخصية ردحا طويلا من حياته مقيما في
أحضان الريف الإنجليزي، وإن ظل متابعا لقضايا العالم ومشكلات العصر على
السواء، وعلى خلاف فلاسفة عصور سابقة، ما بين فلاسفة الإغريق إلى فلاسفة
العالم الإسلامي إلى فلاسفة أوروبا وأميركا بين العصر الوسيط ثم عصر النهضة
وحتى العصر الحديث.
وقد كانوا في مجملهم مهتمين بالجانب الأخلاقي، الأدبي، أو المعنوي من حياة الناس، فقد اختار مؤلف هذا الكتاب أن تدور أفكاره الفلسفية حول القضية المستجدة والشديدة الإلحاح في الفترة الراهنة، وهي قضية البيئة التي أصبح يعبر عنها مصطلح الخضرة: ما بين الوظائف الخضراء إلى السياسات الخضراء وصولا مع عنوان هذا الكتاب إلى “الفلسفة الخضراء” التي يدعو المؤلف في سياقها إلى إذكاء الوعي بمشكلات البيئة الكوكبية، وفي مقدمتها خطر استنفاد الموارد الطبيعية سواء بسبب سرف الاستهلاك أو إصابة هذه الموارد بآفات التلوث الناجمة.
وقد كانوا في مجملهم مهتمين بالجانب الأخلاقي، الأدبي، أو المعنوي من حياة الناس، فقد اختار مؤلف هذا الكتاب أن تدور أفكاره الفلسفية حول القضية المستجدة والشديدة الإلحاح في الفترة الراهنة، وهي قضية البيئة التي أصبح يعبر عنها مصطلح الخضرة: ما بين الوظائف الخضراء إلى السياسات الخضراء وصولا مع عنوان هذا الكتاب إلى “الفلسفة الخضراء” التي يدعو المؤلف في سياقها إلى إذكاء الوعي بمشكلات البيئة الكوكبية، وفي مقدمتها خطر استنفاد الموارد الطبيعية سواء بسبب سرف الاستهلاك أو إصابة هذه الموارد بآفات التلوث الناجمة.
كما أصبح معروفا عن انتشار غازات الاحتباس
الحراري، الناتجة بدورها عن الأنشطة الصناعية وما في حكمها، ثم يدعو
الكتاب إلى تكثيف الجهود الشعبية التي تقوم على كواهل الناس، المواطنين
العاديين، دون الاقتصار على بيروقراطية الأجهزة الحكومية، ولا حتى على جهود
منظمات المجتمع المدني التي يراها كيانات بغير مسؤولية بحكم كونها، في
تصوره، منظمات غير حكومية، ومن ثم ينتهي الكتاب بما يمكن وصفه بمجتمع
الإيكو- قرية أو القرية الفاضلة على وزن المدينة الفاضلة وهي يوتوبيا حديثة
يراها المؤلف مبرأة من آفات البيئة.
جيل جديد من المشتغلين بالفلسفة بدأت
تستقبله الأوساط الفكرية والبحثية وخاصة في دول الغرب أوروبا والولايات
المتحدة الأميركية. وطالما أتى على البشر أحيان من الدهر كان الفلاسفة
ينشغلون فيها بمصير الإنسان وخَلْق الكون ومستقبل البشرية وأخلاق الناس
وديناميات العلاقة بين الفرد والجماعة.
هكذا انشغل سقراط بنشأة الخَلْق وعقل
الإنسان، وانشغل أرسطو بإبداعات العقل البشري، فنون الدراما المسرحية
التراجيديا المأساوية بالذات بقدر ما انشغل ذلك العقل الإغريقي الجبّار
بعلوم وإبداعات، من قبيل البلاغة والنقد والشعر، أما أفلاطون، وهو الفيلسوف
الذي عاش بين حقبتي سقراط وأرسطو، فقد تركزت همومه وانصّبت اهتماماته على
ما أصبح يعرف في تاريخ الفلسفة تحت المسمى الشهير التالي: عالم المثل وهو
بالطبع ذلك العالم، أو ذلك المجتمع الذي ترنو إلى تحقيقه أفكار البشرية إن
لم تكن أحلام هذه البشرية وأشواق البشرية إلى العدل والاستقامة والخير
والحرية والجمال، هكذا أرسى أفلاطون أعرافا في فلسفته المثالية حملت بدورها
الاسم التالي: اليوتوبيا، المدينة الفاضلة.
وكان المعلم اليوناني الكبير رائدا في ذلك
الحلم بالمدينة الفاضلة، حيث شق الطريق الذي سلكه من بعده فلاسفة عديدون،
ينتمون إلى ثقافات وشعوب عديدة من “توماس مور” الانجليزي الذي أصدر كما هو
معروف- كتاب “اليوتوبيا” المدينة الفاضلة إلى “توماسو كامبانيلا” الايطالي
الذي أطلق على المجتمع الفاضل الذي راوده في الفكرة والحلم اسم “مدينة
الشمس” إلى الانجليزي أيضا “توماس بيكون” الذي اختار لمدينته الفاضلة اسم
“أطلانطس”، دعك من الفيلسوف المسلم الكبير “أبي النصر الفارابي” الذي حلقت
به أجنحة خياله الفلسفي إلى حيث تَصَّور مجتمعا فاضلا يقوم على إدارة الحكم
فيه مفكر فيلسوف، يرعى الله في البلاد والعباد، وقد حمل هذا العمل الفلسفي
الذي أبدعه الفارابي اسما شهيرا في تاريخ الفلسفة الإسلامية هو: “آراء أهل
المدينة الفاضلة”.
في كل حال ظل الفلاسفة يُعملون الفكر،
ويقدحون زناد العقل إلى أن تناهت إلينا في العصر الحديث مدارس فلسفية شتى
من المادية الجدلية المستمدة من الفيلسوف الألماني “هيغل” إلى الوجودية عند
الفرنسي “سارتر” إلى الوضعية المنطقية والبرغماتية العملية عند الأميركي
“ويليام جيمس”.
الفلسفة الإيكولوجيةلكن، لأن التغيير سنّة الحياة، فقد جاء هذا الحين الراهن من الدهر لكي ينشأ فصيل أو فرع مستجد من الفكر الفلسفي الذي حمل مؤخرا عنوانا مازال يبدو غريبا على الأسماع والأفكار، والعنوان هو: الفلسفة الايكولوجية
وإذا كانت لفظة فلسفة مشتقة كما هو معروف
جيدا من لفظة “فيلو” بمعنى المحبة ثم “سوفي” وبالأدق “صوفي” وهي ربة العقل
والحكمة عند الرومان، ومن ثم فالفلسفة، على نحو ما ترجمها آباؤنا الكرام في
العصر العباسي الثاني، هي “فيلو سوفي” أى محبة الحكمة، فإن إضافة لفظة
“ايكولوجي” اليها المستمدة من لفظة “ايكوس” اليونانية بمعنى البيت أو الوسط
المعيشي أدت إلى إكسابها معنى يرتبط بالبيئة. ومن ثم فنحن أمام هذا الفرع
الجديد المضاف مؤخرا إلى اهتمامات الفكر البشري ويمكن تعريفه كما يلي:
فلسفة البيئة أو الفلسفة البيئية.
وقد أحسن القوم صنعا عندما عمدوا
إلى إضفاء اسم وصفي مبتكر على هذه الفلسفة البيئة فكان أن أطلقوا عليها
الاسم التالي: الفلسفة، الخضراء.
وكان بديهيا أن تكون هي المبحث الفكري
المتعمق في تدارس أحوال وتطورات البيئة التي تعيش فيها سائر الكائنات الحية
من خلق الله سبحانه وتعإلى سواء كانت من بني الإنسان، أو كانت من إخوانه
في عالم الحيوان وعالم النبات على السواء.
بين الطبيعة والإنسان
وكان بديهيا أيضا أن تنجم هذه
الفئة من المفكرين الذين يجمعون في تخصصاتهم وبحوثهم واجتهاداتهم بين علوم
الفيزياء وعلوم المناخ وعلوم البيولوجيا، فيما يتمثل أكبر همهّم في دراسة
وتحليل ديناميات التفاعل بين كل هذه العلوم وكل هذه الآلاء التي تضمها
الطبيعة وبين الإنسان: صحة وأعرافا وسلامة وسعادة، ومستقبلا.
في عام 2012
في هذا السياق ترد الإشارة ضمن
مقولات هذا الكتاب إلى قضية محورية بحق لأنها تؤثر على كل ما استطاع البشر
تحقيقه من انجازات على امتداد الحضارات وتنوع الثقافات. والقضية هي:
التزايد المطرد في عدد سكان كوكبنا. وعلى سبيل التفصيل نتوقف مع كتابنا عند
أبسط وأوضح وأحدث إحصاءات صدرت رسميا في هذا المجال. والإحالة هنا إلى
مرجع دولي موثوق يحمل الاسم التالي: توقعات السكان في العالم: دراسة من
إعداد شُعبة السكان بالأمم المتحدة في نيويورك.
والدراسة الدولية تقول باختصار شديد إن
الفترة، بل الأيام القريبة الماضية، وبالتحديد مع نهاية عام 2011، جاءت
لتشهد زيادة سكان كوكبنا إلى حيث وصل تعدادهم إلى 7 مليارات نسمة بالتمام
والكمال، بعد أن كان هذا التعداد في عام 2010 قد وصل إلى رقم 6.9 مليار
إنسان، وبمعنى أن أضيف إليهم نحو 79.3 مليونا من البشر خلال عام واحد، وهو
معدل ظل متواترا وشبه ثابت على نحو ما تقول الدراسة العالمية المذكورة
أعلاه.
وحين يتطرق المؤلف إلى دور المنظمات
الأهلية، وما في حكمها من مؤسسات المجتمع المدني، فهو يحاول تخفيف
مسؤوليتها عما يصادف كوكبنا من أزمات يبلغ بعضها حد الكوارث، وهو يؤكد
مرارا في الكتاب أنها غير مسؤولة بحكم كونها “غير حكومية” في حين أن
المسؤولية الجوهرية إنما تقع أساسا، وبحكم التعريف، على عاتق الإدارة
الحاكمة في هذا البلد أو ذاك.
وليس معنى هذا أنه يدافع عن الحكومات التي
يكرر باستمرار أن آفتها تكمن في روح البيروقراطية التي تحرك معظم العاملين
في سلكها. وفي مجال البيئة يتوقف كاتبنا عند اقتصار تلك المنظمات غير
الحكومية على جانب التوعية، وجنوح الإدارات الحكومية إلى اتباع سلوك التهرب
البيروقراطي من المسؤولية الحقيقية، ولهذا، فهو يركز اهتمامه وآماله على
جماهير الناس العاديين، باعتبارهم أصحاب المصلحة الحقيقية في صيانة المرافق
من آفة التلوث، وفي حفظ الموارد من مغبة الإهدار والتبديد. وهو هنا يدعو
إلى ما أصبح يعرف باسم “الاقتصاد الأخلاقي”، ويفسره على أنه تأسيس وتفعيل
معايير من السلوك العام المقبول من جانب جماهير الناس العاديين، بحكم أنه
يشكل خط الدفاع الأول عن مصلحتهم في بيئة أنظف وصحة أفضل وحياة أرقى نوعية
وخاصة بالنسبة لسكان الأحياء الفقيرة في المدن.
فضلا عن سكان البوادي والأحراش والأرياف،
بحكم أنهم معرضون أكثر من غيرهم لما قد يعتري بيئاتهم ومعايشهم وأساليب
حياتهم من مشكلات وأخطار. وعند مؤلفنا فإن ثمة أخطارا بيئية أوسع نطاقا
وأشد خطرا بحيث تتجاوز من حيث شدتها ونطاقها وفداحة تأثيرها قدرة شرائح
الناس العاديين من هذا المجتمع أو ذاك.
ومن ثم فهي تتطلب بالضرورة خططا تنفذها
الحكومات على المستوى القومي. وهنا أيضا يبدي مؤلف الكتاب نوعا من التشكك
في قدرة المنظمات الدولية على إحراز إنجازات حقيقية بقدر ما أنه يركز
الاهتمام على تكثيف الدراسات والبحوث المتخصصة وفي مقدمتها كما يقول الكتاب
ما يتعلق مثلا باستخدام مصادر الطاقة النظيفة، مثل طاقة الشمس أو الأساليب
الناجعة لاحتجاز، أو اقتناص، أكاسيد الكربون الضارة بصحة الإنسان والحيوان
والنبات وهي المتخلفة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المتسربة بفعل
الأنشطة الصناعية من سطح الأرض إلى حيث يحتشد بها الغلاف الجوي المحيط
بالكوكب، وفي السياق نفسه يتوجه الكاتب، أيضا، إلى الولايات المتحدة بالذات
التي يدعوها إلى مضاعفة جهودها، لا في مجالات الحشد العسكري، أو بسط
الهيمنة السياسية ولكن للنهوض بأساليب العمل بحثا وتجربة في ميدان مستجد
وحيوي من ميادين البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، وهذا الميدان يحمل
الاسم التالي: الهندسة الكوكبية، أو الهندسة البيئية.
هنا أيضا نرصد أثر اللمحات الفلسفية، التي
لا تلبث أن تغلب على الطروحات الفكرية التي يحفل بها هذا الكتاب. إن
المؤلف، الفيلسوف الإنجليزي “روجر سكروتون”، يعمد إلى انتشال نفسه من حياة
المدن الراهنة في عالمنا، بكل صخبها وضجيجها وتعقيدها، وتلوثها، إلى حيث
يلتمس الملجأ والملاذ في حياة يراها أكثر نقاء وأرقى نوعية وطبعا أقل أضواء
وأبعد عن عوامل التلوث الجوي والسمعي والبصري وربما المعنوي والأخلاقي على
السواء.
نموذج للقرية الحديثة
هنالك يحيل الكتاب إلى ما أصبح
معروفا في قواميس العلوم البيئية بأنه “الايكو قرية” التي بدأ تعريفها يشق
طريقه إلى تلك المعاجم العالمية على يد المفكر “روبرت جيلمان” منذ عام
1991. ويقول التعريف بأنها المستوطنة البشرية التي يتكامل فيها جهد البشر
مع حركة وقوانين الطبيعة وبما يدعم صحة البشر من جهة وامكانية الاستمرار من
جهة أخرى.
هذه المستوطنة الحلم أو هذه القرية
النموذج هي التي يتصورها المؤلف مع نهايات هذا الكتاب، وهنا نستطيع أن نقول
أن ثمة استلهاما واضح المعالم من جانب مؤلفنا للنموذج القديم، الذي سبق
إلى طرحه، كما ألمحنا، سَلَفه اليوناني “أفلاطون”. ولكن إذا كان الفيلسوف
اليوناني قد تحدث عن “مدينة” فاضلة فربما عمد الفيلسوف الإنجليزي المعاصر
إلى الحديث عن “قرية” فاضلة: وفيما كانت مدينة “أفلاطون” مشغولة بقضايا
الفلسفة والأخلاق، فإن قرية “سكروتون” مشغولة في زماننا بقضايا سلامة
البيئة وصون الطبيعة وحفظ الموارد ومكافحة التلوث على اختلاف مصادره. بيد
أن المشترك بين الدعوتين هو النموذج الفاضل، هو اليوتوبيا، لا عجب أيضا أن
يطلق عليها محللو هذا الكتاب عنوانا مشتقا من اسم المؤلف وهو: “سكروتوبيا”.
وها هو مؤلفنا الفيلسوف يصحب قارئه عبر
“أحياء ومسالك” هذه اليوتوبيا المعاصرة، فإذا به لا يقتصر على مجرد حفظ
الموارد الطبيعية أو دعوة الاستدامة البيئية، إنه يصحب القارئ كما يقول
الناقد الإنجليزي “جوناثان ري” – إلى دنيا راقية، وحياة فاضلة تحفل بأفكار
ورؤى ومشاهد وذكريات مستقاة من منابع شتى تجمع ما بين القانون والاقتصاد
وما بين الموسيقى والعمارة وما بين التاريخ والأدب، وهي دعوة لكي يضم
القارئ إلى صفوف أنصار البيئة والحادبين على نقائها، وكأن الكتاب يجسّد
فحوى هذه الدعوة قائلا كما يؤكد الناقد المذكور: سيدي القارئ، إننا نحلم
بإنقاذ كوكب الأرض، هل أنت معنا، أم أنت مع الآخرين؟.
المؤلف في سطور
روجر فيمون سكروتون فيلسوف
انجليزي معاصر يبلغ قريبا، (فبراير 2012) سنته الثامنة والستين، وعلى الرغم
من أنه كان يعيش في باريس خلال حركة الشباب والطلاب التي اجتاحت فرنسا
وكثيرا من أقطار عالم ذلك الزمان في عام 1968، إذ كان مقيما وقتها في الحي
اللاتيني في العاصمة الفرنسية، فقد هاله سلوكيات البعض من شباب تلك الفترة،
الذين توسلوا بأساليب العنف الطائش والتصرفات السلبية الرعناء، سواء من
حيث تدمير المنشآت العامة أو تكسير أحجار حي موغارتر الباريسي العريق
واستخدامها مقذوفات ضد عناصر الأمن، التي كانت تابعة وقتها لحكومة زعيم
فرنسا التاريخي “شارل ديغول”.
ولعل هذه الصدمات هي التي أدت إلى اعتناق
“سكروتون” مذهبا محافظا في دنيا الفلسفة، وبعدها أصدر خلاصة تأملاته عن تلك
الحقبة في كتاب بعنوان “تأملات عن الثورة في فرنسا”، وإن كانت أنشطته
المتنوعة قد غطت مجالات شتى في عالم الفكر والإبداع، حيث أصدر حتى الآن
أكثر من 30 كتابا، في مجالات مختلفة ما بين إبداع الرواية أو كتابة الأوبرا
الموسيقية إلى الفكر السياسي الذي تجلّى مثلا في كتابه الشهير الصادر
بعنوان “الفلسفة السياسية”.
عدد صفحات الكتاب : 240 صفحة
عرض ومناقشة: محمد الخولي
الناشر: مطبعة جامعة اكسفورد
0 commentaires:
Post a Comment